التفاعل بين العوامل الخارجية والذاتية وتأثيرها على قرار الانتحار - قصاصة رقم (16) في مشروع كتاب كيف ينتحرون للباحث في التربية وعلم النفس – فريد حسن

يسلط الباحث فريد حسن الضوء على التفاعل المعقد بين العوامل الخارجية والذاتية التي يمكن أن تدفع شخصاً نحو الانتحار.

التفاعل بين العوامل الخارجية والذاتية وتأثيرها على قرار الانتحار و كيف تؤثر الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على الأفراد المعرضين للانتحار

الأسباب الخارجية التي تتفاعل مع الأسباب الذاتية ليؤدي الخليط للانتحار :

في ثمان قصاصات سبقت تحدثنا عن ثمان من العوامل الذاتية التي تهيء الشخص ليكون انتحاريا أم لا, عندما تصادفه ظروف قاهرة صادمة في جانب أو أكثر من جوانب الحياة في نفس الوقت – وكلما كانت هذه الظروف قاسية صعبة غاية في القساوة وكانت الظروف في اتجاهات عدة كلما كانت مهيئة للشخص ليقترب من وضعية تقبل فكرة الانتحار!

ولنستعرض العوامل الخارجية التي قد تدفع بعض الأشخاص المهيئين ذاتيا لتدخل واحد من العوامل الثمان الذاتية أو أكثر من عامل منها – مع عامل خارجي أو أكثر أيضا لتتفاعل العوامل الذاتية مع العوامل الخارجية لتضعنا أمام شخصية منهارة قابلة للانتحار!


أولاً- العامل الاقتصادي :

ليس العامل الاقتصادي عاملا ثابتاً وفي شكل من أشكاله حصراً :


الطبقة الأولى طبقة الأغنياء :

فكما أن الغنى عامل ترفيه وسعادة فقد ينقلب على صاحبه ليجعله عامل أزمات ومضايقات وخنق لصاحبها الغني والميسور جدا ماليا – وذكاء وعقل ومرونة وخبرة وثقافة وباقي مكونات الشخص هي التي تجعله يستفيد من أمواله فيبني صداقات وأقرباء محبين مؤيدين وقاعدة شعبية محبة له – كما يستفيد من أمواله بشراء السكن المريح والجميل والمزود بكل وسائل الراحة – وشراء وسائل النقل الجميلة المريحة – وفرش البيت بأجمل وأغلى الحاجات وأكملها – وكذلك ترفيه أفراد الأسرة من زوجة وأولاد بأجمل وأغلى أنواع اللباس والطعام والشراب والألعاب والتقنيات والعلاج – وهذا يخلق جوا من السعادة يبعد احتمال التفكير بالانتحار حتما؟

بينما لو استخدم هذا المال في منافسة أترابه وأقرانه من نفس مهنته وتحدي القوانين مرة وتحدي من حوله أخرى – والضغط باستخدام نفوذه وأمواله على زيد وعمر لسبب أو لآخر مما يخلق له عداوات ومشاكل كان بغنى عنها -
أو يتجه لتعاطي المخدرات و الإدمان على المسكرات والجنس والتجوال في أجمل مناطق العالم وإهمال أسرته ليتصرف أفرادها بالتالي كل كما يحلو له!

وهكذا نجد المال سلاحا ذو حدين بيد مالكه إذا وضعه في المكان الصحيح فاز وفرح – أو خسر وحزن إذا ما استخدمه استخداما خاطئا وذلك تبعا لإمكاناته الموروثة أو المكتسبة .


أما الطبقة الثانية أصحاب الوضع المالي المتوسط :

وأقصد به وضع الكفاية وإمكانية تلبية الحاجات الأساسية من سكن وطعام وشراب ولباس ومواصلات وتعليم بشكل معقول لكنه يبقى فيه نقص وعدم رضى من قبل الزوجة والأولاد أحيانا وفي بعض الأمور على الأقل :

وهنا يبحث الزوج وأحياناً تساعده الزوجة في البحث عن أعمال إضافية ومصادر رزق ثانية يمكن أن تسد حاجات الإنسان التي كثرت وباتت جميعها ضروريات بعد أن كان أكثرها من الكماليات في أزمنة مضت ويكون الأشخاص الموجودين ضمن الطبقة المتوسطة أكثر عرضة للانتحار من الطبقة الميسورة حيث تكثر العقبات وتتنوع الحلول للمشاكل ومنها ما ينجح ومنها ما يفشل – وتكرر الفشل يدفع الشخص إلى البحث عن حل مرة وأخرى وثالثة ورابعة في أكثر من اتجاه وهنا قد يصل إلى طرق مسدودة توصله إلى التفكير بالانتحار وخاصة إذا كانت مقومات شخصيته مهيئة لذلك.


أما الطبقة الثالثة وهي الطبقة الفقيرة :

ومنها فئة راضية بواقعها: تحمد الله في كل الأحوال تبحث عن طرق بسيطة تحقق لها السعادة – وتعمل بالمثل الشعبي ( على قد بساطك مد رجليك ) ويحاول أفراد تلك الأسر التعاون والتكاتف لقهر الصعاب وهؤلاء مستحيل أن يفكروا بالانتحار بسبب الوضع المادي!

أما الفئة الثانية: فهي فئة رافضة لواقعها تنظر إلى غيرها من الناس من جيرانها أو أقربائها أو أصدقائها وزملاء الدراسة فتجد أنهم وصلوا إلى مراتب عالية ماليا واجتماعيا وهنا يمتلئ قلب هؤلاء بالغيرة والحسد فيحاولون بذل أقصى الجهود في كل الاتجاهات ليغيروا من واقعهم ليرتفعوا إلى مستوى أقرانهم الذين طالما قارنوا أنفسهم بهم وقد يتغير وضع بعضهم نحو الأفضل – وقد يفشل البعض بل قد يخسرون ما كان عندهم من توفير ومخزون وهنا وفي المجتمع الأبوي يفكر الأب على الغالب بالانتحار وخاصة إذا كان من المهيئين ذاتيا للانتحار للإقدام عليه.

أما الفئة الثالثة: فهي فئة لا يعجبها واقعها فلا تتجه إلى ذاتها كي تقتنع بواقعها وترضى به كما فعل أشخاص الفئة الأولى – ولا تتجه إلى تغيير واقعها عن طريق مجاراة ما فعل نظراؤهم من أقرباء أو زملاء أو أصدقاء أو جيران من الفئة الثانية لكنهم يلجؤن إلى أساليب الغش , والتحايل , والنصب , والتزوير , والاستدانة وعدم التسديد , أو السرقة ,أو الرشوة إذا كانوا موظفين , أو العمل في وساطات مشبوهة غير قانونية -أو أنهم قد ينضمون إلى عصابات تهريب المخدرات والسرقة والقتل أو الإرهاب وهؤلاء في الغالب يتعرضون إما لمعاقبة الحكومات , أو لاقتصاص من قاموا بإيذائهم وعند تكرار فشلهم وتكرار معاقبتهم – وتكرار القصاص منهم من غرمائهم – فإنهم لا يجدون حلا لمشكلتهم غير الانتحار!


وإلى اللقاء في قصاصة قادمة بإذن الله – دمتم لفنانكم الباحث في التربية وعلم النفس - فريد حسن


 

إرسال تعليق

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *